خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 6 من ذي القعدة 1444هـ - الموافق 26/5/2023م
الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ طَلَبَ الْعِلْمِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ فَرْضًا مُحَتَّمًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا، وَكَفَى بِهِ إِلَهًا عَظِيمًا مُعَظَّمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَكْرِمْ بِهِ مُعَلِّمًا وَأَنْعِمْ بِهِ مُعَلَّمًا!، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الكُرَمَا، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مُكَرَّمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتُمْ، وَأَجْمَلُ مَا أَظَهَرْتُمْ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ لِتَعْبُدُوهُ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لِتَشْكُرُوهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28].
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم تَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ وَتَحُثُّ عَلَيْهَا، وَتُنَوِّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ وَتُشِيرُ إِلَيْهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]. وَأَقْسَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلَمِ الَّذِي تُكْتَبُ بِهِ الْعُلُومُ، وَيُسْطَرُ بِهِ مِنَ الْمَنْثُورِ وَالْمَنْظُومِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ مِنْ مُقْسِمٍ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]. بَلْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَبَيَانِ عَظِيمِ مَكَانَتِهِ وَفَضْلِهِ؛ أَنْ قَرَنَ اللهُ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَجَلِّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى وَقِيَامُهُ بِالْعَدْلِ فِي سَمَوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ،{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]. وَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِزَادَةِ مِنَ الْعِلْمِ فَقَالَ: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَمَصَابِيحُ الْأَبْصَارِ، وَطَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَسَبِيلٌ إِلَى التَّقَدُّمِ وَالِازْدِهَارِ.
فَمَا مِنْ مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ وَلَا نِحْلَةٍ مِنَ النِّحَلِ سَاوَتِ الْإِسْلَامَ أَوْ قَارَبَتْهُ فِي تَعْظِيمِ الْعِلْمِ وَرَفْعِ مَنْزِلَتِهِ، وَلَا فِي تَكْرِيمِهِ وَالْإِشَادَةِ بِفَضْلِهِ وَمَكَانَتِهِ، يَتَجَلَّى ذَلِكَ: فِي إِيجَابِهِ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ، وَعَدِّهِ عِبَادَةً وَقُرْبَةً لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ:
لَا يُمْكِنُ لِهَذَا الْجِيلِ أَنْ يَتَغَيَّرَ إِلَى الْأَفْضَلِ، لِيَحْصُلَ عَلَى حَالٍ أَرْقَى وَأَكْمَلَ، إِلَّا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ فِي طَلَبِ العِلْمِ وَالتَّجَافِي عَنِ الدَّعَةِ والرُّقَادِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ بُلُوغَ الْقِمَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعُلُوِّ الْهِمَّةِ، وَالْفَوْزَ بِالْمَقْصُودِ؛ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ، وَمَتَى عَلَتِ الْهِمَّةُ فَلَا تَقْنَعُ بِالدُّونِ وَلَا تَرْضَى بِالْهَوَانِ، وَلَا تَسْتَسْلِمُ لِلْخَوَرِ وَلَا تَخْضَعُ لِلذُّلِّ وَالطُّغْيَانِ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ:
الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ سِمَةُ الْمُؤْمِنِ وَآيَةُ الْمُسْلِمِ؛ فَقَدْ عَلَّمَنَا الْإِسْلَامُ عُلُوَّ الْهِمَّةِ، حَتَّى فِي الدُّعَاءِ وَسُؤَالِ الْجَنَّةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّة، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» [ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ ] ، وَاعْلَمُوا أَنَّ ضَعْفَ الْإِرَادَةِ وَالطَّلَبِ، مِنْ ضَعْفِ حَيَاةِ الْقَلْبِ، وَكُلَّمَا كَانَ الْقَلْبُ أَتَمَّ حَيَاةً كَانَتْ هِمَّتُهُ أَعْلَى، وَإِرَادَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ أَقْوَى.
وَهَذِهِ بَعْضُ النَّمَاذِجِ الْفَذَّةِ، مِنْ تَارِيخِ أَرْبَابِ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ، وَالْعَزَائِمِ الْمُتَوَقِّدَةِ، فِي مَجَالَاتٍ شَتَّى مُتَنَوِّعَةٍ مُتَفَرِّدَةٍ، نَسُوقُ طَرَفًا مِنْهَا لِأَخْذِ الْعِبْرَةِ وَإِدْرَاكِ الْعِظَةِ، وَتَذْكِيرِ النُّفُوسِ وَإِحْيَاءِ الْقُلُوبِ بِالْمَوْعِظَةِ: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
فَهَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه حِينَمَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: »اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا لِكَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَلَا لِغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَلَكِنْ كُنْتُ أُحِبُّ الْبَقَاءَ لِمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، وَلِظَمَأِ الْهَوَاجِرِ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ، وَلِمُزَاحَمَةِ الْعُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عِنْدَ حِلَقِ الذِّكْرِ«، وَهَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ: »وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْمَطَايَا لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ«.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ: أَنْ يُوَجِّهُوا أَوْلَادَهُمْ إِلَى حُسْنِ الطَّلَبِ وَالْأَدَبِ، وَأَنْ يُشَجِّعُوهُمْ عَلَى التَّفَوُّقِ وَالرِّيَادَةِ وَالنَّجَاحِ، وَنَفْعِ أَنْفُسِهِمْ وَدِيـنِهِمْ وَأُمَّتِـهِمْ لِلْوُصُولِ إِلَى غَايَةِ الظَّفَرِ وَالفَلَاحِ، وَيَغْرِسُوا فِي نُفُوسِ أَبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمُ الطَّلَبَـةِ وَالطَّالِبَاتِ حُبَّ الْمُعَلِّمِ وَتَقْدِيرَهُ، وَاحْتِرَامَهُ وَتَوْقِيرَهُ؛ فَمَا مِنْ مُهَنْدِسٍ وَلَا طَبِيبٍ، وَلَا مُوَظَّفٍ وَلَا أُسْتَاذٍ وَلَا خَبِيرٍ، وَلَا مَسْؤُولٍ وَلَا وَزِيرٍ؛ إِلَّا وَلِلْمُعَلِّمِ عَلَيْهِ فَضْلٌ وَمِنَّةٌ، فَلْنُقَابِلِ الْإِحْسَانَ بِالْإِحْسَانِ، وَلْنُجَازِ صَاحِبَ الْجَمِيلِ بِالشُّكْرِ وَالْعِرْفَانِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.
ثُمَّ اعْلَمُوا - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ - أَنَّكُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَأَنْتُمْ فِي مَوْسِمٍ عَظِيمٍ، وَمَغْنَمٍ لِلْخَيْرَاتِ كَرِيمٍ، فَاغْتَنِمُوا أَيَّامَهَا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنَ الْمَتْجَرِ الرَّابِحِ؛ فَتَقْوَى اللهِ هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، وَالْأَكْرَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْكُمُ الْأَتْقَى.
وَعَلَى الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُرَاعِيَ - فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ - أُمُورًا وَأَحْكَامًا، وَيَجْتَنِبَ أَخْطَاءً وَآثَامًا، فَمِنَ الْأَحْكَامِ: الْتِزَامُ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13، 14]، فَلَا يَجْتَرِئْ عَلَى انْتِهَاكِهَا وَتَعَدِّيهَا، وَلَا يَقْتَرِبْ مِنْهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا، حَيْثُ إِنَّ الْتِزَامَ حُدُودِ اللهِ وَعَدَمَ تَعَدِّيهَا؛ دَلِيلٌ عَلَى تَقْوَى الْقُلُوبِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ فِيهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
وَمِنْهَا أَيْضًا: إِقَامَةُ فَرَائِضِ اللهِ تَعَالَى؛ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ وَتَرْكِ مَا يُضَادُّهَا، وَإِقَامَةُ شَعَائِرِ اللهِ وَاجْتِنَابُ مَا يُحَادُّهَا، وَالْقِيَامُ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ، وَالْتِزَامُ سَائِرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المزمل: 20].
وَمِنْهَا: اجْتِنَابُ مَا حَرَّمَ اللهُ؛ مِنَ الرِّبَا وَالزِّنَا، وَأَكْلِ الْحَرَامِ وَالْكَذِبِ وَالْغِشِّ وَالزُّورِ، وَالْخِيَانَةِ وَسَائِرِ الْآثَامِ وَالشُّرُورِ، وَإِنَّ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ: أَنْ نَهَانَا عَنِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا، وَإِخْفَارِ ذِمَّتِهَا؛
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
تِلْكُمْ - عِبَادَ اللهِ - الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ؛ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَاعْمَلُوا فِيهِنَّ بِمَا يُرْضِي رَبَّكُمْ، وَأَقِيمُوا فَرَائِضَهُ، وَاجْتَنِبُوا مَحَارِمَهُ؛ تَسْعَدُوا فِي الدُّنْيَا، وَتُفْلِحُوا فِي الْآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْحُنَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا الطُّلَّابَ وَالطَّالِبَاتِ لِلتَّفَوُّقِ وَالنَّجَاحِ، اللَّهُمَّ يَسِّرْ أَمْرَهُمْ، وَاجْبُرْ كَسْرَهُمْ، وَذَكِّرْهُمْ مَا نَسُوا، وَعَلِّمْهُمْ مَا جَهِلُوا، وَوَفِّقْهُمْ لِمَحَبَّتِكَ وَرِضَاكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَالشُّكْرَ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ.اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة